Sunday 4 May 2008

قصة قصيرة - وما زال قابيل يقتل أخيه

وما زال قابيل يقتل أخيه .. !!!

تعالت الثرثرة .. داخل الخزينة المغلقة .. بين إثنين من الجنيهات المطبوعة حديثا ..
قال أحدهما للآخر : هل ترى ياصديقى أننا سنكون معا دائماً .. نعمل سوياً على إسعاد الناس ؟؟
فرد الآخر : كلا ياصديقى العزيز .. فأنا طريقى غير طريقك .. فأنا سأكون أداة للشر فى كل وقت ..
وقبل أن يتم حديثه .. فتحت الخزينة .. وإمتدت إلية هو وصديقه يد الصراف .. وراحت تضمهما إلى ورقتين فئة الخمسون جنيها وثلاث ورقات فئة العشرة جنيهات .. وتلقفتها يد مرتعشة لرجل تعدى الخمسين من عمره ..وقد إنحنى ظهره قليلا ..وراح يقرب الأوراق من زجاج نظارته السميك .. ويعدهم مرة تلو الاْخرى .. نعم أنهم مائة وإثنين وثلاثون جنيها ..قالها بمرارة وهو يغادر موقعه من أمام الصراف ..
راح يحدث نفسه ..ماذا تفعل هذه الجنيهات القليلة وسط أسعار تزداد يوما بعد يوم ..فى أسرة تتزايد متطلباتها أيضا .. بعد خمس وعشرون عاما قضاها فى وظيفته ككاتب فى وزارة الصحة .. تكون العلاوة مع الترقية ككاتب أول .. جنيهان فقط .. ماذا تفعل هذة الملاليم القليلة ؟؟؟ أنة يذكر أن قميصه الذى يرتديه قد إشتراه منذ ثلاث سنوات .. والبدلة القديمة التى يرتديها فى المناسبات كان قد إشتراها من سوق الكانتو بحى الموسكى منذ عشر سنوات .. حتى أنة لم يدخن سيجارة منذ سنوات لا يذكر عددها .. ولم يكن ذلك التوقف للحفاظ على صحتة ..ولكن من ضيق ذات اليد .. أنه يأخذ فقط من زوجته مصروف يومى خمسون قرشا لتغطية تكاليف المواصلات .. وثمن فنجان من القهوة أو الشاى ..
وجلس مصطفى أفندى على مكتبه .. وراحت تداعب خياله فكرة جريئة ..أن زوجته لا تعلم أن العلاوة جنيهان .. أنها تعلم فقط أنة سيأخذ علاوة ..إذن فليخبرها أن العلاوة جنيهاً واحداً ..وطبعاً سيكون معة الجنية الآخر يصرفه كما يشاء ..وداعبت فكره .. رائحة السيجارة ..فنادى على الساعى طالبا منه أن يحضر علبة سجائر مع فنجان القهوة ..وذهل الساعى .
قائلا : علبة سجاير يامصطفى أفندى ؟؟؟
أجاب مصطفى أفندى ( وهو يبتسم ) : أيوة .. وتكون سوبر كمان ..
ورد الساعى : بس يامصطفى أفندى ..مفيش سوبر .. كلة دلوقتى مستورد
وتردد مصطفى أفندى قليلا .. وسأل الساعى : المستورد بكام ؟؟
أجاب الساعى : العلبة بجنيه
قال مصطفى أفندى ( وقد شعر بألحرج ) : ماشى .. هات علبة مستورد ..وأخرج من جيبة جنيهاً يبرق ويلمع ..
وهنا قال الجنية لصديقة .. الآن نفترق ياعزيزى .. وربما نجتمع يوماً .. ما
ومرت سنوات .. وتم اللقاء ثانية .. وسط حزمة كبيرة من العملات الورقية البالية .. داخل إحدى قاعات البنك المركزى .. قبل إعدامها
قال الصديق لصديقه : ها نحن مرة اُخرى معاً .. ولكن بعد أن أصابنا الكبر .. ونحل جسمنا وأصبح هشاً
رد الآخر : نعم .. ولكن أخبرنى ماذا فعلت طوال غيبتنا ؟؟؟
راح ينظر لصديقه .. وشرد قليلاً .. وكأنة يستدعى من الذاكرة شريط الذكريات
قال : عندما إفترقنا .. وكنت أنا ثمناً لعلبة سجائر ..يهلك دخانها وما بة من سموم .. صدر مصطفى أفندى .. ويدمر رئتية
دخلت إلى حافظة صاحب الكافيتريا ..التى إشترى منها الساعى السجائر .. وكان هناك مجموعة كبيرة من الأصدقاء تعرفت عليهم .. ذهبت مع معظمهم .. فى المساء .. ثمنا لقطعة من الحشيش..ماركة كلة يدلع نفسه .. على قهوة المعلم عزوز .. فى حى الشرابية
وبعد أيام .. كنت مع بعض الأصدقاء .. ثمناً لزجاجة ويسكى .. وسهرة حمراء .. فى منزل الراقصة .. زيزى زغزغنى
وبعد أيام .. خدنى بلطجى مع بعض أصحابى ..وبالمناسبة هوة البودى جارد للراقصة زيزى زغزغنى .. المهم .. على مائدة خضراء للعب القمار .. وضعنى .. وكنت مع بعض أصحابى .. ومنهم أصحاب جداد إتعرفت عليهم على المائدة الخضراء .. كنا مكسب سهل لمدير كبير فى شركة إستيراد وتصدير ..من إللى بيقولوا عليهم القطط السمان ..
الراجل المهم ده .. إستبدلنى مع أصحابى إللى كسبهم .. بدولارات ..من تاجر عملة مشهور جداً لكل الكبار .. المهم .. إستورد بولوبيف كلاب .. وكمان فاسد وإنتهت صلاحية أكلة للكلاب .. وأكلة للشعب .. إللى معدتة بتهضم الزلط فى العيش .. يبقى مش حتهضم شوية بلوبيف كلاب فاسد
المهم .. تاجر العملة إللى خدنى مع أصحابى .. إشترى بينا أرض وبنا عليها برج .. إنهار بعد سنة واحدة والمقاول إللى خدنى ..دخل السجن .. المهم رحت مع بعض أصدقائى كرشوة لشخصية مهمة علشان يخرج المقاول براءة ..
وداخل فيلا فى الساحل الشمالى ..كان حتة من جسمى بتتحرق وأنا اُشعل سيجارة عشيقة البية المهم ..وبعدين لما رمانى على الأرض ..لقطنى أحد الخدم .. وحاول يشترى بية أكل لعيالة .. ولكن صاحب المطعم مرضيش .. عشان حتة منى محروقة ..وقال لة إستبدله من البنك .. وأخيرا وصلت هنا فى البنك المركزى ..ودي كانت رحلتى كلها
وقال الصديق الآخر : إن رحلتك كانت متعبة حقاّ .. أما أنا فقد ذهيت إلى منزل مصطفى أفندى ..وأخذتنى يد زوجته وقبلتنى .. ثم كنت ثمنا لخضروات وفاكهة أكلوها بالهناء والشفاء ..ثم إنتقلت مع أصدقاء آخرين الى فلاح طيب ثمنا لكمية من الفاكهة والخضروات .. ثم كنت بعد ذلك مع بعض الأصدقاء ثمنا لجاموسة قام بشرائها الفلاح ..والفلاح الذى أخذنى دفعنى مع بعض أصدقائى ثمناً لثياب جديدة بعد موسم الحصاد .. والتاجر الذي أخذنى مع بعض أصدقائى تبرع بنا لبناء مسجد .. وكنت فى يد أحد العمال ممن شاركوا فى البناء ..وكان يضعنى فى جيبه ..ومن كثرة عرقه بدأت أذوب وينحل جسمى .. وذهب يوما ليأكل فى مطعم .. وعندما أعطانى لصاحب المطعم .. ورأى نحولى وذبولى .. وعلم أن العامل لا يملك غيرى ..فقرر صاحب المطعم أن يعطى العامل ما يريد من الطعام ..وأن يأخذنى ويستبدلنى من البنك .. وهكذا حضرت الى هنا
وقال الجنيه الخير : ألا تري بأنك كنت شريراً لدرجة كبيرة ؟؟؟ ألم تراجع نفسك أبداً ؟؟
رد جنيه الشر : عزيزى الجنيه الطيب .. كما أن الخير مطلوب .. فكذلك الشر أيضاً .. نحن وجهين لعملة واحدة .. لا تستغنى أحداهما عن الأخرى ..مثل الليل والنهار ..مثل الحر والبرد .. مثل العطش والإرتواء .. مثل الجوع والشبع .. مثل الحضارة والدمار .. مثل الحياة والموت ..
أن الحياة بتداخلاتها الرهيبة ..تعمل بناموس أزلى ..أرادة الله .. الخالق لها وللناموس ..فى مسيرتها التى لا يعلمها الا الله .. فقد خلق قابيل وهابيل من آدم وقتل قابيل أخاة .. لخلافهما على من يتزوج من اُخت قابيل ؟؟؟ وليس القاتل هو الشر ..والمقتول هو الخير .. ففى ذلك حكمة ..لقد رسم الله لنا طريق الخير .. وطريق الشر وكان أن خلق العقل للتمييز ..فكان لنا أن نميز بعقولنا .. التى ميزنا الله بها عن كل مخلوقاته
أن الطهارة والإيمان لا تكون بألصلابة والإقتناع ..اِلا إذا كان الفجور وكل الشرور موجودة .فإذا قاوم الإنسان النفس الأمارة بألسوء .. وسيطر عليها .. هنا يكون إيمانه بيقين .. ولكن إذا لم توجد الشرور ..فسيكون الإنسان مؤمن رغما عنة .. فلا خيار آخر .. بل هو مسير فى إيمانة ..والجميع سيصبحون ملائكة .. بلا مقاومة .. وبلا شعور ..
إذن لا بد أن تكون الحكمة .. أن يوجد الشر .. بجانب الخير .. حتى يقاوم كل منهما الآخر .. وتتنازع النفس البشرية .. ويعمل العقل .. ويخير الإنسان
إن الله لو شاء لجعل الناس اُمة واحدة ..كلها خير وصلاح وتقوى وإيمان .. ولكن الله يريد لعبده .. أن يعبده عن حق .. وهنا خلق العقل للإنسان ..وسبب الأسباب بناموس أزلى .. وأوجد طريق الخير ..وطريق الشر ..
فإما أن تعلو .. وتسمو
أو تنحدر .. وتهبط
ومن هنا يكون الحساب

No comments:

My Drawings

The Best Favorite Videos

Some channels

Love for all

New visitors bloglog