Thursday 19 June 2008

قصة طويلة - الرماد

الرماد

تقديم
عزيزى القارىء
أردت أن أكتب من قبل .. وكانت تنقصنى الشجاعة لكتابة القصة الطويلة .. فكتبت القصة القصيرة .. وأنا أقدم قصتى هذه .. الرماد .. كأول قصة طويلة .. وفى هذا المقام أتقدم بألشكر إلى صديقى .. محمد نبيل توفيق .. وقد شجعنى على كتابتها .. ولذلك فأنا اُهديها إلية .. وإلى جميع الآباء والاُمهات .
قصتى هذة تبحث فى جذور مشكلة من أخطر المشكلات الإجتماعية وضوحاً فى عصرنا الحالى وهى مشكلة زيادة النسل .. وأضرارها وانعكاساتها على الأسرة وما يصاحبه من إنهيار .. وسط مجتمع يبتغى النهضة ويشق طريقه قدماً الى الأمام.
قصتى واقعية .. ليست من نسج الخيال .. تدور أحداثها فى أحياء القاهرة .
ومع إهدائى للآباء والاُمهات .. كذلك أهديها لشبابنا المتطلع لمستقبل زاهر .. وأدعو ألله أن يكون لها مكانا فى إثراء الفكر .. وأن تحقق الغرض المنشود منها ..وأن تقضى مع صفحاتها وقتاً ممتعاً ومفيدا .. وأسأل الله أن أكون قد وفقت فى أداء الرسالة .

الكاتب
محمد إبراهيم شعبان أحمد

الفصل الأول : دوامة الحياة

إنبعثت أشعة القمر أخيراً وسط السماء الملبدة بالغيوم فبددت الظلام المخيم .. وإنعكست على وجه فتاة فى العقد الثانى من عمرها .. شاحبة الوجه غائرة العينين .. تحملق تارة فى السحاب البعيد المنتشر فى السماء وهى ترقب حركته حتى ينكشف ضوء القمر بعد أن كانت تحجبه سحابة كبيرة تجمعت فى السماء .. وتارة تنظر إلى الرماد المتخلف عن سيجارة فى يد زوجها الجالس أمامها .. وقد إنحدرت دمعتان كبيرتان على خدها الناعم وإستطاعتا أن تحفرا لهما طريقاً على تلك البشرة الرقيقة التى تحاكى بصفرتها أوجه الموتى .
يقرب الزوج السيجارة من فمه ساحباً منها نفساً عميقاً فتتوهج السيجارة بين أصابعه بوهج أحمر ترى الزوجة من خلاله ما يرتسم على وجه زوجها من ملامح الألم ..وتتنهد الفتاة فينظر إليها الزوج ويطفىء السيجارة فى القوقعة الكبيرة التى يستخدمها لذلك الغرض .. ويتجه صوب النافذة ليراقب النجوم البعيدة التى تتلألأ كلما إنقشعت عنها السحب الكثيفة التى تنبىء بأمطار غزيزة .. بعدما أضائت السماء بشرارات البرق المتعرجة .. وهدرت أصوات الرعد وإشتدت الرياح .
تنظر الفتاة الى القوقعة .. وتتطلع إلى ما بها من رماد .. وإذا بها تتذكر حطام اُسرتها البالى .. وتعود بها الأيام الى الماضى .. لتتذكر كل شىء.
نادية .. فتاة فى السادسة عشر من عمرها .. فارعة الطول .. تعلو فمها إبتسامة رقيقة .. وصدرها يعلو مرتفعاً فى تحد .. تتدفق منه حيوية الشباب .. والتهاب العاطفة القوية .. ووجهها المتألق تعكس ملامحه مزيج من البراءة وطيبة القلب .. عيناها تنطوى على نظرات أشبه بنظرات الأطفال البريئة الساذجة .. خصلات شعرها تتهدل على وجهها فى روعة وجمال وتتماوج فى رقة الأنغام .
إستيقظت نادية من نومها الذى طالما تتخلله بعض الأحلام الجميلة الهادئة .. التى تدور دائماً حول عش الغرام الهادىء الذى سيشيده لها حبيبها أحمد .. الذى طالما منت وتمنى نفسها به .. كانت نادية دائماً ما تستيقظ مبكرة فتعد الطعام الذى يتألف من كوب من الشاى وقطعة من الخبز الجاف لكل فرد .. وتوقظ والدتها وهى تعمل كخادمة عند اُسرة أحد الأغنياء لتستطيع أن تعول أفراد الأسرة .. بعد أن فقدت الأمل فى إبنها الأكبر .. حسن .. وهو شاب فى العشرين من عمره .. لا يشغلة شىء فى الحياة إلا أن يأكل وينام .. عمل فى أكثر من مهنة .. لكن لا يمكث فى إحداها أكثر من أسبوع واحد .. ينام بعده أسابيع فى المنزل .. فهو شاب كسول لا يعرف واجبه فى أسرة تزداد مطالبها يوم بعد يوم .. وأيضاً يقل ما تحصل عليه من مال من دخل الأب الذى يعمل فى مصنع للغزل والنسج .. ولكنه مصاب بإدمان المخدرات .. فهو يبدد معظم دخله فى شراء تلك السموم ويلقى بالقروش القليلة المتبقية إلى أُسرته .. فهو يعيش لنفسه فقط .. لا يفكر فى اللآخرين وبالتالى فهو لا يهتم برعاية اُسرتة أو تربيتها أو بمعرفة مطالبها وإحتياجاتها .. فهو يلقى بكل هذه المتاعب والأعباء عن كاهله ويتركها للأم التى تجد نفسها إذاء هذه الظروف فى أن تعمل خادمة .
ملأت نادية كوب من الشاى وقدمته لوالدتها وكانت ترتدى ملابسها وهى تتمتم : يارب .. الى متى سيطول هذا العذاب ؟؟
وتذهب نادية لتغسل الأكواب التى سيتناول فيها إخوتها الشاى وتعود لتجد والدتها جالسة على أحد المقاعد الخشبية وقد ظهرت عليها علامات التعب فسألتها : ما بك ياوالدتى .أنى أراك متعبه اليوم ؟؟ فأجابت الأم فى صوت ضعيف أشبه بألهمس منه إلى الكلام : أنى أشعر أن صحتى فى هبوط مستمر .. ولا أعرف إلى متى سيبقى .. حسن .. هكذا بدون عمل .. وتتنهد الأم وهى تنهض وتتابع كلامها : لا تنسى أن توقظى .. أسعد .. لكى يذهب الى المدرسه .. فهو كسول مثل أخاه الأكبر .
تخرج الأم وتعود نادية وهى تمشى فى خفة ونشاط وتندفع الى إخوتها المتكدسين على سرير خشبى فى ركن من أركان الحجرة الرطبة التى لا تحوى سواه .
كانت الشمس قد أرسلت أشعتها الذهبية .. وخرج الناس يسعون على أرزاقهم .. ودبت الحركة فى الشوارع .. وتثائب الجميع وهم ينهضون الواحد وراء الآخر .. وتضع نادية الشاى فى الأكواب وتقدمها لإخوتها وقد إستيقظوا ودبت الحيوية والنشاط فى أوصالهم .
وتنادى على أختها .. منى .. : هيا إنهضى ..نريد أن ننتهى من كل شىء بسرعة .. حتى إذا ما حضرت والدتى تجد كل شىء على ما يرام .. وتنهض منى وتسأل أخاها أسعد .. وهى ما زالت تتثائب : ألن تذهب الى المدرسة اليوم أيضاً ؟؟ فيومىء أسعد بالإيجاب قائلا : عندنا حصتين العاب .. وحصة موسيقى ..و .. و .. ولن أذهب اليوم .. وتسأله نادية : لماذا ترتدى ملابسك إذن؟؟ فيجيب أسعد وهو على وشك الخروج : أنى سأذهب الى أحد أصدقائى لنذاكر سوياً فقد إقترب موعد الإمتحان .
ويخرج أسعد .. ويخرج ورائه ثلاثة من الأطفال الصغار .. يخرجون ألى الفناء الواسع أمام شقتهم فى الدور الأرضى التى تتكون فقط من حجرتين .. ينام الوالدان فى حجرة .. والأولاد يتكدسون فى الحجرة الأخرى ..
يأخذ الصغار فى الجرى هنا وهناك والمرح واللعب طوال النهار .. الذى لا يملونه مطلقاً .. ويتعالى صوتهم وصياحهم وينتشر الضجيج فى المنزل .. وعلى هذا الضجيج يستيقظ .. أحمد .. كل يوم .. وهو طالب بالسنة الأولى فى كلية العلوم .. شاب متأنق ينبعث من عينيه بريق الذكاء وحنان الحب .. وأمام المرآة الصغيرة وقف ليصفف شعره الأسود الامع وقد تدلى على وجهه وعينيه .. فحرك رأسه للخلف لتندفع خصلات الشعر كموجات من النغم تتخبط فى بعضها البعض .. أو كموجات البحر وهى تتراجع الى الشاطىءتحت تأثير ضربات النسيم الحانية فهى سرعان ما ترتد عند إصطدامها بالشاطىء .. وينظر أحمد فى جدول المحاضرات .. ويجهز المذكرات اللازمة ثم يندفع الى السلم وهو يطلق صفيراً أشبه بالعصافير وقت الشروق فرحة بإستقبال يوم جديد .. وما أن يصل للطابق الأرضى حتى يرى أمامه حبيبته نادية .. بإبتسامتها العذبة التى إعتاد أن يبدأ بها يومه الحافل بالأشغال .
ويلقى عليها تحية الصباح : قيس يلقى تحية الصباح على نادية
فتجيب : نادية ترد التحية بأجمل منها .. ثم تتابع كلامها : متى ستحضر اليوم ياقيس ؟؟
فيرد قيس وهو يقذف بشعره للوراء .. ويغلظ من صوته : سوف أتأخر اليوم قليلا .. سأعود فى السابعة فتصرخ نادية : ياه .. وفى نفسها : سأنتظرك ياحبيبى .. وتغمز بعينها ضاحكة : الآن إمض قيس .. فقد حان موعدك .. فيهمس فى أذنها : وداعاً .. والى لقاء قريب يازهرتى المتفتحة .. ويبتسم وهو يخرج .
فى الطريق الموصل الى المدرج .. ترى فتاة فى ربيع عمرها ..وجهها يحاكى القمر بجماله ..وعيناها تحاكى النجوم ببريقها .. شفتاها تحملان أجمل إبتسامة رآها الربيع .. كلها رقة وعذوبة .. إقترب منها أحمد متسائلا : زينب .. لماذا أراك اليوم مبكرة .. ضحكت قائلة : مبكرة .. بل أنت من حضر متأخراً.
أنت تعلم أن الدكتور كمال يقفل المدرج بعد دخوله مباشرة ولا يبيح لأى شخص بالدخول بعده .. وقد بقى على موعده دقائق معدودة .. فينظر أحمد إلى ساعته مؤكداً كلامها : فعلا لقد حضرت اليوم متأخراً .. إذن إسمحى لى أن أعيد السؤال مرة أخرى .. لماذا حضرت اليوم متأخرة هكذا ؟؟ فتضحك زينب قائلة : لأنى أعلم بأنك ستحضر متأخراً .. ويضحك الإثنان ويسألها أحمد :كيف حالك فى المذاكرة ؟؟ .. تجيب : الحمد لله .. بالمناسبة .. هل حضرت المحاضرة الإخيرة ؟؟ فيرد أحمد وهما يصعدان الدرج : نعم
فسألته : هل أستطيع أن أتطفل عليك وأطلبها ؟؟ فيضحك أحمد وقد وصلا الى باب المدرج : تطفلى ياعزيزتى كيفما شاء لك التطفل .. والآن الى اللقاء فصديقتك ليلى قادمة هناك .. ويدخل الجميع .. ويتجه أحمد الى أحد أصدقائه لتحيته .. ويشير عقرب الساعات والدقائق والثوانى للحادية عشر .. ويدخل الدكتور .. ويصعد المنصة بخطوات بطيئة .. ويقف قليلا متطلعاً للجميع بنظراته العميقة المغناطيسية .. فيتجمد كل شخص فى مكانه وكأن الدكتور كمال بنظراته يشد جميع الطلبة إليه بأربطة وثيقة .. فيبقى نظرهم مشدود إلية وهو يلقى محاضرته بصوت عميق النبرات يتوغل فى أعماق النفس .. ويظل طائر الصمت جاثما على المدرج بأكمله حتى نهاية المحاضرة فى تمام الثانية عشر .. فينطلق فارداً جناحيه على كامل إمتدادهما .. ويفك الدكتور أربطته المغناطيسية التى شدت الطلبة ساعة كاملة .. ويحررهم من قيدهم .. وترتفع الأصوات مرة أخرى ويزداد الهمس .. وتغمر الضجة المدرج من جديد .. ويمر اليوم هكذا .. وتمضى الساعات .
يعود أحمد الى المنزل وتسمع نادية صوته العذب يترنم بأغنية جميلة .. تحبها كثيراً .. وتهب بكل حيوية ونشاط .. وقد إرتسمت على وجهها الجميل إبتسامة كبيرة .. ويبتسم أحمد هامساً : قيس يلقى تحية المساء على حبيبته نادية .. فينساب صوتها العذب من بين شفتيها كما ينساب النغم الجميل من قيثارة الحب : أهل عدت ياقيس ؟؟ فيغلظ من صوتة قليلا : نعم عاد قيس ياحبيبتى .. ثم يخفضه مرة أخرى هامساً : تذكرى موعدنا غداً .. فى السابعة .. تومىء نادية برأسها قائلة :على شرط أن تذاكر جيداً .. هل اتفقنا ؟؟ فيجيب وهو يصعد الدرج : إتفقنا .. فلا تنس .. ترد بصوت أشبه بالهمس : لن أنس .. ولو نسيت فقلبى لا ينس
ووقفت نادية .. تتذكر كلماته العذبة .. وإذا بها تصحو من غفوتها على ذلك الصوت الغليظ الذى تعودت خشونته منادياً لها .. صوت والدها الذى ترتسم على وجهه نظرة كلها غضب .. بملامحه القاسية وبشاربه الطويل الذى يقضى الساعات لتصفيفه والعناية به .. وتلك العينان الحمراوان اللتان ينبعث منهما بريق خاطف طالما نفذ من جسدها وهى تنظر إلية .. وتلك القامة النحيفة المنثنية قليلا .. كل هذه الملامح .. ألفتها ناديه وإنطبعت لها صورة فى نفسها ..
كانت نادية تعرف طلب والدها .. ولذلك دخلت مسرعه .. وأخذت فى ترتيب الكراسى القليلة المتناثرة فى الغرفة .. حول المنضدة الخشبية ذات الأرجل القصيرة .. والتى وضعت عليها الإناء الخزفى (المنقد) وهو إناء يوضع بة الفحم المشتعل .. الذى يستعمل فى إسالة السموم التى يتناولها الأب مع أصدقائه .. وتعد نادية كل شىء .. ثم تخرج الى الحجرة الأخرى .. حيث تجلس والدتها وإخوتها الصغار.
ويسمع طرق على الباب الخارجى .. وكان الجميع يعرفون من القادم .. ودخل الأصدقاء .

No comments:

My Drawings

The Best Favorite Videos

Some channels

Love for all

New visitors bloglog