Sunday 22 June 2008

الرماد - الفصل الرابع

الفصل الرابع : ذئاب فى الطريق
تحسست الأم جبهتها الخشنة عدة مرات .. أنها تشعر بصداع شديد .. تكاد رأسها تنفجر من مرجل الماء الذى يغلى ويفور بداخلها .. الحرارة تنبعث من جسدها وفى ذلك الجو الحار لا تجد مفراً لها فتبقى ملاصقة لجسدها فتزيده حرارة وإشتعالا .. تتقلب فى فراشها كالمحمومة .. هاهو المرض اللعين يعاودها ويصل لذروته .. ماذا تفعل ؟؟ هل ستستطيع متابعة العمل ؟؟ أنها لا تكاد تقوى على النهوض .. وكلمات طبيب المستشفى منذ عامين ترن فى أذنها .. الكبد تعبان .. والتهاب فى المفاصل .. يجب أن تشترى هذا العلاج فوراً .. ولكن أين لها بالنقود ؟؟ أن العلاج سيكلفها الكثير .. والصغار يفتحون أفواههم يريدون الطعام ..فصبرت على نفسها وأحتضنت أطفالها الصغار .. وها قد عاودها المرض بشدة فلم تقدر على النهوض .. أهل ستظل هكذا ؟؟ لا .. لن يكن ..أنها ستنهض وتقاوم .. وحاولت .. ولكن بائت محاولاتها بالفشل ..فسرعان ما إرتدت الى السرير وأخفت وجهها بين وسادته تغرقها بسيل من الدموع ..
تحسست رأسها مرة أخرى .. وصرخت : يجب أن أطلب منه نقوداً ..
وبعد حوار طويل القى الأب اليها بورقة من فئة الخمس جنيهات .. ياالله .. كم من ورقة أضعاف أضعاف تلك يلقى بها ليشترى لنفسه سموماً لا تفيده ولا تعود عليه بالصحة بل بالمرض .. وإن كان مؤجلا
ولكنها كانت تعلم ما ينتطرها من ثورته إذا ما طالبته بالمزيد
تنادى الأم نادية قائلة : إذهبى الى خالك أحمد وأخبريه بأنى مريضة وأنى أريده أن يحضر .. وتخرج نادية .. وتقبل منى على الأم وفى يدها كوب من الشاى وقرص من الأسبرين .. وتناولت الأم القرص ورويدا رويداً بدأت تشعر براحة قليلة من الصداع المستمر .. نظرت الأم الى منى وأخذت تتمتم فى صوت ضعيف : إذهبى الى الست رتيبة وأخبريها بأنى لن استطيع الذهاب اليها لمرضى .. وتذهب منى
يدق جرس الباب عالياً .. معلنا بقدوم شخص ما .. وتتحرك الست رتيبة ربة المنزل وتتجه الى الباب لتفتحه وتدخل منى .. فتبادرها الست رتيبة بالسؤال عن والدتها .. ولماذا لم تحضر ؟؟ وتسائلت : أهل هى مريضة ؟؟ لأنها كانت متعبة جداً بالأمس .. تجيب منى بإيمائة من رأسها : نعم ياسيدتى ..أنها مريضة جداً .. وقد أرسلتنى لأخبرك ب.. ويرتفع صوت من الداخل منادياً : ماما .. ماما .. ويخرج عادل من الغرفة المقابلة ويقع نظره على منى .. فتتقابل النظرات فى نظرة عميقة .. لم تدم سوى ثون قليلة .. ولكن تأثيرها كان كبيراً على كل من عادل ومنى .. فلقد توغلت صورة عادل فى أعماق نفسها ..وبألمثل فقد أثار جمالها نظر عادل ..
وخرج عادل بعد أن برقت فى يده ورقة حمراء .. لم ترى منى مثلها .. ولم تلمسها يدها .. كانت تعرف أنها ورقة مالية ذات قيمة كبيرة .. أن ولدتها فى حاجة الى مثل هذه الورقة النقدية الكبيرة .. وتابعت منى كلامها بعد خروج عادل :هل أستطيع أن أحل مكان والدتى فى خدمتك حتى تسترد صحتها ؟؟ وأرتسمت على وجه الست رتيبة إبتسامة حانية وأجابت : كما تريدين .. إعطى هذه النقود لوالدتك .. ويمكنك الحضور غداً لتباشرى العمل
إبتسمت منى .. وهى تستأذن فى الإنصراف .. وكادت تطير من الفرح .. أنها ما طلبت أن تحضر لتحل محل والدتها إلا لكى تراة
عادت منى الى المنزل ودست فى يد والدتها بورقة فئة الخمس جنيهات وتسائلت الأم وهى تنظر الى منى : هل أعطتك الست رتيبة هذه النقود ؟؟ فأومأت منى وقالت : وأخبرك ياوالدتى بأنى سأذهب لخدمة الست رتيبة الى أن تستردى صحتك ولقد طلبت أن أذهب لها من الغد
أصبحت منى تتردد على منزل الست رتيبة لكى تقوم بخدمتها .. وكانت ترى عادل أحيانا .. وإنطبعت له صورة فى ذهنها .. بجماله .. بطوله .. بصدره العريض .. بذراعيه القويتين بعضلاته المفتولة .. بعينيه السوداء التى ينبعث منها ثورة الشباب .. بشفتيه الصغيرتان المضمومتان فى حنان وبينهما دعوة للحب .. الحب ؟؟ .. نعم أنها تحبه .. لا .. أنها لا تعرف ما هذا الإحساس .. لا .. لا .. أنها أحبته .. أنه ينظر إليها كثيراُ .. ولكن لا يكلمها .. أهل يشعر بنفس الثورة التى تتأجج فى صدرها ؟؟ .. هكذا يزداد تفكيرها فيه يوما بعد يوم .
وتمر الأيام .. وها هى تسير على غير هدى .. ثم تتعثر .. وتسقط فى الوحل .. وتنهض لتعاود السقوط .. يصل الى سمعها صوت أغنية فى الإذاعة .. لسه شفايفى شايلة غرامك .. شايله أمارة حبك ليه .. أجل ..أنها تتذكر كيف سلمت له شفتيها وهو يودعها يوما فى الظلام .. لقد شعرت يومها بأنها تسير فى طريق جديد .. لم تخطو فيه من قبل .. ياليتها لم تخظو فيه .. ياليتها لم تذهب .. أن بدنها يقشعر وهى تتذكر لمسات يديه وهو يربت على ذراعها العارى ..وهو يحيطها بذراعيه القويتين .. ولكنها لم تمانع .. كانت قد أحبته ..وقدأخبرها هو أيضاً بمدى حبه لها ورغبته فى الزواج ..كانت تشعر بألسعادة وهى بجانبه .. أنها تنتظر شيئاً ما !! .. ها قد تحقق .. شفتيه الجميلة أطبقت على شفتيها الصغيرة بأجمل قبلة كانت تنتظرها ..ولكن ما هذا ؟؟ وجاشت بنفسها أحاسيس أخرى غامضة .. وهو يتسلل بيده قليلا قليلا وعلى مهل ..وإنتفضت الفتاة فى ذعر .. كما ينتفض الطفل الصغيرمن نومه وهو يحلم بأنه يكاد أن يسقط فى الوحل .. ونظر اليها فشهد موجات من الألم ترتسم على وجهها ممزوجة بحبات من العرق تحفر طريقها من الجبهة الشاحبة الى الأرض ..نظر اليها قليلا ..أنه يفكر فى شيىء آخر .. إرتعدت الفتاة فجأة ..وإضطرب صدرها ..ثم ترددت للحظة .. وألقت برأسها أخيراً على صدره .. وهمست إليه وهى تتنهد : الدنيا حر .. وإبتسم .. فقد كانت قطرات المطر تقرع زجاج النافذة فى سخرية وإستهزاء .. وتسللت يده وساد ظلام كئيب فذعرت منى .. وإنتفضت ..فضمها أكثر الى صدره مربتاً على أكتافها ..ثم مرر إحدى يديه على شعرها فأزاح خصلاته.. وتتابعت قبلاته تعانق شفتيها .. وتراخت الفتاة بين يديه وساد الهدوء
إنتفضت الفتاة من حلمها .. تصرخ وتصرخ .. وضحك الشيطان ..ها قد مزق الطائر الستار ..وهذه حياتها تسيل من الإناء فكيف لها أن تجمعها ؟؟
لقد وعدها بألزواج ..ترى هل سيتزوجها ؟؟ همست له فى ذلة الكلب .. وخضوع العبد .. متى سنتزوج ؟؟
إبتسم عادل وأشعل سيجارة سرعان ما قربها من شفتيه وأخذ نفسا عميقاً ..وخلف سحب الدخان وحلقاته المنعقدة كانت نظرة السخرية ترتسم على وجهه .. كان وجهه مخيفاً عندما أضاء الغرفة مما بعث الرعب فى نفسها ..فأغمضت عينيها وهى تبكى .. أنها لا تريد أن تعيش فى النور ..لا تريد أن ترى وجهه ..لا تريد أن ترى دمها المسفوح وهو يتبخر ..
أنها كانت سيجارة فى فمه ..أحرقها ليريح أعصابه ..ثم نبذها بعد أن نال منها رغباته ..
سارت منى الى النافذة .. محدقة فى السماء الملبدة بالغيوم ومغطاة بالسحب .. حتى السماءقد أغلقت أبوابها دونها ؟؟
وهبط نظرها .. من السماء .. فإصطدم بشىء يرتفع فوق كل شىء .. إنه مئذنة المسجد ..هناك حيث تنبعث الأضواء فوق روح الحق .. ونفحة الرحمة .. لم تستطع أن تحدق طويلا فى المئذنة .. وكأنها رمحاً يشق قلب الخطيئة ..
وإنحدرت نطراتها من قمة المسجد .. الى رؤوس الأشجار ..الى الأرض .. كانت الطرقات مليئة بالوحل ..وإسترعى إنتباهها طفل صغير مسكين يسير متعثراً وهو يضم بيده المتسخة بقايا ثوبه .. أنه أحد أولاد الشوارع .. كم كانت تحتقر هؤلاء الأطفال .. وتقسو عليهم .. لكنها بعد اليوم لن تفعل .. من يدرى .. فلربما يصبح إبنها .. أحدهم بعد هذه الليلة
نظرت الى عادل .. وكان نظره مثبتاً على جزء معين من الغرفة .. وهناك لم تكن تعلم أى شىء يوجد .. أنه الثمن ..ثمن الخطيئة .. نظرت الية بإمعان فإستدار اليها وقال بصوت مختنق : هذه النقود لك .. ولا تقولى أنها المرة الأخيرة ..
حيوان .. شيطان .. أهل يريدها مرة أخرى ؟؟ إذن لقد خدعها ولم يكن يحبها
وتسكعت نظراتها المحمومة قليلا بين أرجاء الغرفة حتى إستقرت على شىء .. تمثال من النحاس الثقيل .. إختطفته فى لحظة ثم هوت على رأسه .. دماء .. دماء غزيرة هذه المرة .
هرولت مبتعدة عن المنزل .. وسقطت فى الوحل .. مرة ..ومرات .. ولكنها تريد أن تبتعد .. الى الفراغ الكبير .. الى الفضاء .. تخفى فيه خطيئتها .. وجريمتها
وقفت .. نظرت خلفها .. وعادت للعدو مرة أخرى تطاردها أشباح الجريمة .. وأفاقت على يد تستوقفها ..ِ شاب يهمس لها : الى أين أيتها الجميلة ؟؟ تعالى معى .. وصرخت فى وجهه وهى تبتعد عنه : ذئاب .. وحوش
الى أين هى ذاهبة .. ما هى وجهتها ؟؟ هل ستعود الى والدتها المريضة ؟؟ وإخوتها الصغار الساذجون .. نعم .. وهل لها ملجأ غير بيتها الدافىء الذى تعيش فيه مع ضحكات أخواتها .. ولكن جريمتها ستكتشف سريعاً .. سيقبضون عليها ..ستعيش فى ظلام الليل .. خلف قضبان القدر .. لا .. لا لن تذهب الى المنزل .. أنها فكرت .. وإستقر تفكيرها على الإنتحار
نعم .. يجب أن أنتحر .. حتى لا يعرف أهلى بما حدث .. ولكنهم سيعرفون سريعاً .. لا شك فى أنهم سيعرفون .. ولكنهم سيغفرون .. هل حقا سيغفرون ؟؟ ..
وداعاً أيتها الحياة القذرة .. وداعاً أيها المجتمع العفن ..
ونظرت الى النهر وشبحه يتراءى لها من بعيد .. فى مياهك النظيفة سأذيب خطيئتى .. وبين أمواجك سأعيش حياتى الضائعة .. وعلى صفحتك ستتراقص شفتى وهى تدنو من نهايتك .. تحت ضرباتك الحانية .. وداعاً أيها العذاب .. ومرحباً ياسعادتى الأبدية .. وأخذت تقترب .. وتهرول .. الى أن وصلت أخيراً .. وسمع ندائاً عالياً .. ولكن السحاب الكثيف كان يخفى خلفه أحداث القدر ؟؟

No comments:

My Drawings

The Best Favorite Videos

Some channels

Love for all

New visitors bloglog