Monday 23 June 2008

الرماد - الفصل الخامس

الفصل الخامس : القدر يتحدى !!!
إنتهت قصة إختفاء منى .. ولم يعد أحد يذكر أحداثها غير الأم المريضة .. فما كانت تضع رأسها على الوسادة حتى تغرق فى بحر من الأحزان والدموع .. تتذكر خروج إبنتها من المنزل فى الصباح وهى تقبلها وتدعو لها .. ثم طرقات رجال الشرطة على الباب يريدونها لأنها قتلت عادل .. يالهول ما سمعت ..لماذا تقتل ابنتها عادل ؟؟
ومضى عامان على هذا الحدث الأليم .. ومضت أيامه وشهوره فى حزن وألم ..أنها طالما منت نفسها بعودة إبنتها إليها ولكن طال الإنتظار ولم تعد منى .. وتمضى الأيام فى تحد وسخرية ..
تزايدت آلام الأم فى هذا اليوم ..أكثر من أى يوم مضى ..فلقد تقدم رجل لخطبة إبنتها نادية ..ودارت فى رأس الأم أحلام كثيرة .. تخيلت منى مرتدية الثوب الأبيض الناصع يبرق تحت أشعة المصابيح .. تخيلتها بألطرحة البيضاء تتلألأ على جبينهاوهى تجلس بجانب زوجها وقد إلتفت الفتيات حولهما يرقصن ويغنين فى سعادة وسرور ..وهاهى الأم تحتضن إبنتها وهى على وشك البكاء من السعادة الغامرة .. وتتخيل نادية وهى تجلس بجانب أختها كأنها تمثال من النور .. يضفى على المكان طابعا من الرونق والجمال
مرت كل هذه التخيلات فى رأس الأم فألهبت أشجانها .. وجددت أحزانها .. فبكت وبكت وكأنها وجدت فى البكاء تضميداً لجراحها التى لم تندمل بعد
كل هذه الموجة من الآلام إجتاحت رأس الأم وهى تفكر فى الرجل الذى تقدم لخطبة نادية .. إنه وحيد .. توفى والداه منذ عشرون عاما ً .. نعم منذ عشرون عاماً .. فهو تعدى الخمسون من عمره .. ولكنه ثرى .. بل من كبار الأثرياء ..أنه يمتلك عدداً من شركات تعبئة الفاكهة .. لم يتزوج من قبل ..ولكن لماذا لم يتزوج طيلة هذه السنين .. ولماذا يفكر الآن فى الزواج بعد هذا العمر الطويل الذى قضاة فى العزلة والوحدة .. ومن سيتزوج ؟؟ نادية تلك العصفورة الصغيرة التى لم تتعد الثامنة عشر .. لا .. لا يجب أن يتزوج هذا الكهل من إبنتها .. ولكن لم لا .. انه ثرى .. فإذا تزوجته نادية ستعيش فى سعادة .. وستنعكس هذه السعادة على الأسرة أيضاً .. وتنحل عقدة الأسرة ومشاكلها .. فتستطيع الأم أن تعالج نفسها ..ويستطيع أسعد أن يكمل تعليمه .. فلربما الأقدار قد فعلت هذا كى تتح لهم أن ينعموا بقدر من السعادة لتعوضهم سنوات الحرمان الطويلة من كل شىء ..من المال .. من العلم ..من السعادة ..من الصحة
وتحت تأثير دموع الأم الحقيقية .. وكلماتها التى أخذت تدوى فى أذن نادية أيام متتالية .. قبلت نادية ووافقت على الزواج من هذا الكهل .. ضحت بقلبها فى سبيل إنتشال أسرتها من ماضيها بكل ما فيه من تعاسة وشقاء الى المستقبل الزاهر بكل ما يبشر به من السعادة والهناء .. فقررت نادية أن تقاطع أحمد ولا تقابله مرة أخرى .. كانت تعلم بأنها ستضعف أمام نظرات عينيه فى أن تخبره بالحقيقة المرة ماذا ستقول له وهى من كانت تتحدى القدر بما يحمله لهم من صعاب .. ها قد وقف القدر أمامها وقد إنفرجت شفتاه عن إبتسامة كلها تحد وسخرية .. أنها الآن كالقزم أمام عملاق كبير إذا ما وضع طرف إصبعه عليها لسحقها سحقا
وقبلت نادية بالزواج من هذا العجوز .. وحاولت أن تخمد ثورة الحب العارمة التى تتأجج فى صدرها..وأصبحت لا تنطلق عند سماع صفير أحمد .. ولم تعد تتواجد أمام النافذة حتى لا يراها ..وتلتقى عيناها الدامعتان بعينيه المتسائلة .. أخذ صفير أحمد يخبو شيئاً فشيئاً .. ولكنها ما كانت تعلم ما أحدثه إختفائها من تغير على نظرات عينيه التى أصبحت زائغة .. تدور فى كل مكان تبحث عنها .. وأستطاعت هى أن تخمد الثورة فى صدرها شيئاً فشيئاً ولكن حبها له ما زال مشتعلا .. فهى لم تنساه .. وهى ما أخمدت الحب فى قلبها .. بل أخمدت الشوق الى لقائة وسماع صوته
وكتب اليها الكثير .. لكن لم يصلها مما كتبه شيئاً .. كان يودع كل شىء يكتبه فى مكتبه الذى تكدث بالأوراق وغدت أدراج مكتبه هى الصديق الوحيد الذى يتطلع على جميع خطاباته ..ويبكى لها ..
وأخيراً ظهرت نادية .. لكنها لم تنظر اليه .. أين حبها له ؟؟ أين تلك القوة التى تربطهما معاً .. وما هذه الخطوط الصغيرة التى ظهرت على وجهها والتى تدل على الحزن والألم الشديد ؟؟ لماذا هى حزينة هكذا ؟؟ وما سبب هذه النظرات التائهة ؟؟ التى تدل على لا شىء .. أهل هذه نادية التى كانت تطير من مرقدها عند سماعها صوته ؟؟
إذن .. لا بد أن هناك شيئاً قد حدث .. كل هذا كان يدور فى رأسه وهو جالس على المكتب .. تائه الفكر .. زائغ النظرات .. يحملق فى سطور الكتاب .. فإذا بها تذوب ويحل مكانها صورة نادية الجميلة ..
وتمتم فى ضعف : ربما أنها أحبت شابا آخر .. وربما لم تحبنى مطلقاً .. وإلا ما سبب هذا التغير المفاجىء ..
وأمسك بالقلم أخيراً .. وأخذ يكتب ..
ووصلها ما كتب هذه المرة .. وأمسكت الخطاب بيد مرتجفة وأخذت تقرأ ..
حبيبتى نادية
لا أعرف كيف عاودتنى فكرة الكتابة اليك مرة أخرى .. كتبت اليك من قبل .. الكثير .. بل الكثير جداًً .. ولكن لم يصلك منه القليل .. أو حتى القليل جداً ..
نعم .. لم يصلك مما كتبته شىء .. فقد كنت أمزق الخطابات حين أفرغ من كتابتها .. ودارت ساعة الزمان .. ومضى الآن أسبوعان .. وها أنا أجدنى أكتب مرة أخرى .. كيف ؟؟ ولماذا؟؟لا أعرف ..لا أعرف سوى أنى أمسكت بالقلم مرة أخرى لأخط لك هذه الكلمات . أكتب لك الآن وأنا لا أعلم لماذا اكتب لك ؟ أو ماذا سأكتب لك ؟
أكتب لك وأنا لا اعلم كيف ستصلك كلماتى ..
أكتب وأنا لا أعلم كيف سيكون موقفى منك بعد ذلك ؟؟
أكتب وأنا لا أعرف .. هل ستمزقى ما كتبت ؟؟ وبالتالى ستمزقى قلبى .. أم أنك ستحتضنيه .. وتحوى قلبى الشريد الهائم بين ذراعيك .. ورغم كل هذا أجدنى أكتب لك ..
فى غمرة من سكون الليل .. وهدوء العاصفة التى طالما تثور طيلة ساعات النهار .. تهدأ النفس ..وإذا بها ترجع للوراء .. وتدير عجلة الزمان .. لتتذكر الأيام الماضية بحلوها ومرها .. وفى هذا الجو عصفت بى الآلام ..فإذا بى أتذكر أيامى الماضية ..أتذكرك أنت ..يامن وهبتك قلبى .. فكان لك الحب كله .. ويامن وهبتك عقلى .. فكان لك التفكير كله ..تذكرتك أنت يانادية ولأول مرة أسأل نفسى ..هل كانت علاقتى معك صداقة أم أخوة أم حب ؟؟ وجاء الرد عالياً مدوياً من ذلك الجزء الكامن فى أعماق نفسى .. بأن علاقتى كانت حب .. حب شديد .
نعم .. أن الحب أقوى وأقدس من أن يعبر عنه بكلمة توضع على طرف لسان .. أنه عاطفة مقدسة تتمكن من القلب وتتملك النفس حتى يعجز اللسان عن التعبير عنها .. ولكنى كنت أحبك ..وكنت أشعر بالحب فى كل كلمة حتى لو لم تكن كلمة أحبك .. وشعرت بالحب فى كل خلجة من خلجات نفسى .. فى كل هزة رمش ..فى كل ابتسامة .
نعم أحببتك .. ولكن حبك لى .. أين هو ؟؟ أنى أعتقد أنه بعيد جداً .. فى ذلك الفراغ الكبير .. الذى يخيم عليه السحاب الكثيف ..فى صحراء مظلمة ..عند منحنى الحياة وبداية بوابات الموت .. لقد أخفيت قلبى فى صدرى خوفا من أن ينبض فيصدم .. وقد صدم من قبل .. حتى أعتقدت أنه لم يعد لى قلب يستطيع أن ينبض بالحب .. ولكن عندما رأيتك بكيت .. لأن قلبى نبض بحبك بعد هذا العمر الذى قضاه جامداً صامداً .. وقد نبض بقوة لم تتحملها أعصبى فبكيت ..أتانى حبك مع أول شعاع حمله الفجر الجديد .. فإحتضنته شوقاً ..ووقفت فى خجل وصمت .. رأيته من خلال أوراق الشجر المرتجفة وقد تراقصت مع نبضات قلبى ..رأيته بعيونه الباسمة وسط سماء زرقاء تشرب ضيائها من حياتى .. بين اوراق الشجر وفى ضوء القمر كنت أحيا كنسيم عابر .. ولكن ما هذه الأصوات التى تهفو من الماضى .. أنها أصوات متزاحمة .. تسأل الحاضر عن جواب .. وخفقات أجنحتها تملأ الهواء بظلال كالأثير المرتجف ..
فى ضوء القمر .. بحثت عن شاطىء الحب .. فإذا بى أجد نفسى وحيداً .. نعم .. رأيتك تتوقفين عن المسير فى ظلال الأبد .. وسرت أنا وحيداً .. فى ظلام ليل دامس .. بين أستار أوراق الشجر الشاحبة .. فى الفضاء المنعزل .. هناك إفترقنا.. وخلفت طريق الدموع يمتد من الأرض الى سماء الحب الضائع
ومرت أيام .. ولكن حبى لك لم يزل يتأجج فى صدرى .. فيوقظ قلبى ووجدانى ..
والآن .. لا تعتقدى أنى كتبت هذا الخطاب كى أتقرب منك مرة أخرى .. لا .. وليس لكى تسبغى عطفك عل قلب تمزق .. لا أيضا .. ولكن يجب أن تعلمى بأنى أحببتك .. وما زلت .. وسأظل الى الأبد مخلصاً فى حبى .. ولأننى أحببتك .. فأنى أحب لك السعادة سواء معى أو مع أى شخص آخر .. فمن يحب لا يمتلك .. وأنا لا أريدك لنفسى إذا كانت سعادتك مع غيرى .. وربما الأقدار التى شائت أن تفرقنا .. قد تجمعنا ذات يوم
لقد كتبت الكثير عن حبى لك .. ولم أذكرك بحبك لى .. فهيا بنا نعود لذكرياتنا .. عندما عبرت لك عن حبى .. أخبرتينى أنت الأخرى بأنك مخلصة فى حبك لى .. هل تذكرين آخر لقاء لنا .. لقد عبرت لك عن خوفى على مستقبل حبنا .. ولكنك قلت .. كما كنت ترددين دائماً : أن حبنا سيدوم الى الأبد والى النهاية .. والنهاية طبعاً ستكون؟؟....
لقد بنيت الآمال الكبار على حبنا .. ولكنى ما أعتقدت بأنى بنيتها على سحاب متحرك .. سرعان ما ذابت مياهه .. فتساقطت الآمال الواحدة تلو الأخرى ..
فى أول علاقتنا ..كنت أرى العاطفة تشتعل من عينيك .. كنت لا أشك أن تلك النار تشب من قلبك .. ولكن ماذا أرى فى عينيك الآن .. أنها نظرات كثيرة .. هى مزيج من الخداع وعدم المبالاة .. أين كلماتك الرنانة التى كنت ترددينها وتخدعينى بها .. كنت أعتقد دائما أن كلمات الحب والإخلاص والوفاء التى ترتعش على شفتيك .. هى كلمات نابعة من قلبك .. لقد نظرت الى عينيك كثيراً وبنيت فيها الآمال .. وفجأة .. رئيت ما بنيته بالأمس ينهار وكأنها بنيت على طبقات من الهواء .. رأيت الآمال تذوب سريعاً كما يذوب الجليد من أثر إرتفاع درجة الحرارة .. رأيت الآمال تختفى كما تختفى الشمس فى باطن السحاب .. وكما تختفى الأشباح وسط الظلام ..وتحطم التمثال الجميل وأصبح ذرات من الغبار تنقلها الرياح الى كل مكان
والآن .. أنا لا أعاتبك على أنك تركتى حبنا هكذا نهباً لأعاصير الرياح
ولا أعاتبك على أنك أحببتى شخصاً آخر
لا .. فربما تكونى صادقة فى حبك هذه المرة ..وهذا ما أتمناه
وربما لا تعرفين معنى الحب الحقيقى الى الآن
قلت فى أول خطابى .. أنى لا أعرف لماذا أكتب خطابى هذا .. ولكن بعد أن تابعت الكتابة .. أدركت السبب الذى جعلنى أكتب لك .. وربما تستطيعى معرفته إذا دققت النظر فى سطور الخطاب
والآن .. قبل أن أختتم خطابى .. أريد أن أخبرك أنت .. ياحبيبتى .. أنى أريد أن تشعرى من تحبينه بحبك وهذا عن طريق معاملتك له .. لأن الرجل إذا ما شعر أن من يحبها .. تشاركه الحب وتشعرة بذلك دوماً .. كان لهذا أكبر الأثر فى نفسه وفى حياته .. وسرعان ما ينتهى الحب وتصبح النتيجة عكسية .. إذا ما شعر بأن من يحبها تبتعد عنه أو لا تشعره بحبها دوما ً ..ورجائى الأخير ألا تحطمى قلب آخر
إحتضنت ناديه الخطاب ووضعته على صدرها ..لتكون كلماته قريبة من قلبها ..وبكت .. بكت كثيراً وكان الخطاب بمثابة الشرارة التى جعلتها تمسك القلم وتكتب لتزيح الستار قليلا .
أمسك أحمد بقصاصة الورق وفتحها بسرعة .. لم يكن بها غير بضع كلمات قليلة وأخذ يتمتم :
حبيبى أحمد
أنى أحبك .. وسأحبك الى الأبد
ولكن القدر يحطمنى .. حبيبتك نادية
أخذ يقرأ الكلمات ويعيدها ليفهم مغزاها .. ماذا تقصد بالقدر يحطمنى ؟؟ هل تقدم لخطبتها شخص ما ؟؟ ولماذا ترضى به ؟؟ ألم تخبرنى بأنها لن تقبل بأى شخص غيرى ؟؟ ألم أعدها بالزواج فى العام القادم بعد أن انتهى من الدراسة .. إذن ماذا حدث ؟؟
وأخيراً إتجه الى الفراش ..وأخذ يفكر ليهتدى الى لا شىء .. وتبعت الموجة التى إحتلت رأسه من الأفكار موجة أخرى من النوم .. لم يفق منها إلا على أصوات تلك الزغاريد المتتاليه .. وقد إخترقت أذنه وكأنها سهام مسمومة .. وتعالت الصيحات والزغاريد .. ودقت الطبول ..وإرتفعت أصوات البنات بالغناء
وإرتفعت الزغاريد مرة أخرى عالية مدوية .. ودخل الزوج
كان طويلا .. نحيف البنية .. ذو صلعة عريضة .. ترقد تحتها عينان خلف نظارة سميكة سوداء .. له أنف مقوس وذقن مدبب .. وكانت النظارة السوداء تحيطه بهالة من الوقار الممتزج بالغموض .
ووسط موجات من الفرح والغناء تقدم الرجل من نادية وكانت تجلس مطأطأة الرأس .. وقد أرتسمت على وجهها علامات اليأس .. وقد إنسدلت خصلات من الشعر على عينيها تخفيها عن نظرات هذا الزوج .
ونظر إليها الرجل ..وأمسك بيدها ..التى كانت ترتعش بين يديه ..ووضع شىء فى إصبعها .. شىء لامع .. كان أحمد يتمنى أن يضعه هو فى إصبعها .. وإنطلقت الدموع من عينيها ولكن شعرها المسدل على عينيها كان يخفى دموعها عن أعين الناس ..
كان أحمد يرقب كل هذا .. وقد إنقبض قلبه ..ولم يستطع أن يتحمل هذا الموقف فإتجه الى السرير كى يعود الى النوم .. ولكن دقات الطبول كانت تجعله يعيش فى دنيا من الواقع

No comments:

My Drawings

The Best Favorite Videos

Some channels

Love for all

New visitors bloglog