Wednesday 25 June 2008

الرماد - الفصل السابع

الفصل السابع : الكأس يرتعش

عادت الشعلة لتوقد من جديد ..ويتلألأ وهجها فى سماء الأبدية ..وعادت نادية لتشبع نهمها من ينبوع السعادة الذى حرمت منه فى منزل زوجها ..وعاد أحمد ليتربع على عرش الحب ويملأ عينيه ببريق العاطفة .. وهاهى الجوهرة بين يديه .. ولكنها ليست ملكا له ولا يستطيع أن يمتلكها .. هاهى المرآة التى طالما إنعكست عليها صورة السعادة والأمل ..ولكنه لا يقدر أن يقترب منها أو ينظر اليها .. كان يعلم أنه سيرى صورة زائفة للسعادة وصورة باهتة للأمل لكنة ما كان عليه إلا أن يرتشف من الزجاجة .. وهى تقربها الية ليرتشف ويروى ظمئه .. وتردد قليلا .. ولكن الكأس يدنو من شفتيه ..ودون وعى منه ..دارت الدنيا به وإرتعش الكأس بين يديه .. وإذا به يغوص فى المقعد الجالس عليه ..شعر بألقشعريرة تسرى فى بدنه .. الجريدة على المائدة أمامه تشير فى إحتجاج ودهشة الى إرتفاع غير عادى فى درجة الحرارة ..تحسس جبهته بيديه إذا بقطرات من العرق البارد تغمر أصابعه ..وإقترب منها ..أو إقتربت منه ..أنة لا يشعر إلا بشىء واحد .. أنه يشعر بأنه يدنو ويقترب من الهاوية ..لكنه لا يستطيع أن يتقهقر ..فكيف يتقهقر وهذه اليد الناعمة القوية تدفعه قدماً الى الأمام ..وتحتويه بين ذراعيها .. ومال على الكأس يقبلها ويرتشف رضابها ..كان المذاق حلواً .. ورفع الكأس الى شفتيه مرة أخرى .. ولم يستطع أن يبعدها عن شفتيه .. وأرتعشت الكأس تحت أسنانه ..ولكنها رعشة لم تدم سوى ثوانى .. ووسط هذه المشاعر المتدافعة المتدفقة وجد نفسه يزيح غطاء الزجاجة ليفرغ محتوياتها فى جوفه .. ليطفىء نيران إشتعلت فى داخله
هدأ كل شىء ..وأمضى ليلته محتضنا زجاجته الفارغة .. يقول زجاجته .. نعم فهى الآن تعتبر زجاجته ما دام صاحبها غائباً ..فهذا هو اليوم الثالث منذ غادر الزوج المنزل الى العزبة ليشرف بنفسه على العمل هناك فى مكافحة دودة القطن .. كان أولى به أن ينتظر ليباشر مكافحة دودة القز .. كان أولى به أن يعود ليرى التحول الذى يحدث داخل الشرنقة ..كان أولى به أن يعود ليشاهد تصادم السحاب وشرارات البرق وتساقط الأمطار على الأرض الخصبة .
التى عاشت عمراً طويلا دون أن تسقط عليها الأمطار لترتوى .. ها قد سقط المطر وإرتفعت المعاول لتهبط عليها أشد وأقصى ..لتفتت جزيئاتها .. وتعرض ما بداخلها لأشعة الشمس لإحيائها .. وقد شاء القدر تواجد البذور فى الأرض وقت تساقط الأمطار ..وها قد تكون النبت الصغير وبدأ يثبت جذوره فى أحشاء الأرض لينمو ويكبر ..
عاد الزوج ليرى زوجته فى أقصى حالات السعادة .. وفرح لسعادتها .. وليزيدها سعادة وعدها بالذهاب الى إحدى مصايف أوروبا .. وجاء اليوم وحقق الزوج وعده .. وهاهى تجلس أمام البحر .. تنظر لتضارب الأمواج وإرتفاعها ..والى الأطفال يلعبون ويمرحون على الشاطىء .. وأخذت الأفكار تتضارب فى رأسها .. بتحرك النبت الصغير فى أحشاء الأرض ليكبر ويترعرع .. وشعرت نادية بحركته ..أنها تعلم أن أمرها سيكتشف بعد شهور قليلة ..ففكرت فى الأمر طويلا وإستقرت على الحل أخيراً ..أنها الطريقة الوحيدة وستقوم بتنفيذها فوراً ..
لم يمض على تواجدهم بالمصيف سوى أسبوع عندما طلبت نادية من زوجها العودة الى مصر .. وحاول الزوج أن يستفسر عن هذه الفكرة الطارئة لكنها أصرت على العودة دون أسباب ..وهبطت الطائرة أرض المطار وفى الطريق الى المنزل حاول الزوج أن يسألها عما بها ؟؟ لكنها لم تجبه بشىء .. وفى المنزل أخبرته بأنها تريد أن تعيش فى مكان هادىء بمفردها .. وأنها تريد أن تذهب الى العزبة لتعيش هناك .. وقبل الزوج لإرضائها ..وذهبت نادية الى العزبة وهناك رحب بها الحميع .. وهناك أخذ الجنين يتحرك فى حرية .. وبعد عدة شهور خرج الى النور طفل جميل مشرق الوجه قد أرتسمت على شفتيه أبتسامة والده ..أنه صورة طبق الأصل لوالده .. بشعره الأسود اللامع ..وعينيه الصغيرتين .. وأنفه الصغير المدبب .. وإحتوته بين ذراعيها ..تضمه الى صدرها وهى تقبله .. ولم يعلم بالخبر أحد سوى سعديه .. وهى المرأة الوحيدة التى أحبتها ناديه .. وأخبرتها بكل شىء .. ولم تخفى عنها شيئاً .. وبادلتها سعديه الحب .. وأخفت سرها .. حتى عن زوجها حمدان
وأرسلت نادية خطابا ً الى حبيبها أحمد
حبيبى أحمد
منذ ستة شهور غادرت القاهرة أنا وزوجى الى إحدى مصايف أوروبا ..وهناك تحركت ثمرة حبنا فى أحشائى .. وعدت الى القاهرة ثم قررت أن اعيش فى العزبة حتى مولد طفلنا .. ومرت الشهور وأنت فى ذاكرتى كل وقت ..وكان إبتعادى هذه المدة هى الطريقة الوحيدة حتى لا يعرف زوجى الحقيقة .. وخرج ولدنا الى الحياة أخيراً .. بإبتسامتك ونظرات عينيك الجميلة .. وكنت قد صادقت إمرأة طيبة هنا إسمها سعدية .. وأخبرتها بقصتى .. كى أجد الوسيلة لبقاء الطفل معها .. حتى يحين وقت زواجنا .. وهى من ساعدتنى فى الولادة .. وقد طلبت منها أن تأخذ أبنى وتضمه لأولادها ليعيش بينهم هذه المدة .. ففرحت وأخذت ولدى معها وأخبرت زوجها بأنها وجدته بالقرب من الترعة فأخذتها الشفقة به ..وأحضرته ليعيش وسط أطفالها .. وفرح الأب به عندما نظر الى عينيه الصافية .. وعاش ولدنا بين أولاد سعدية وكانت تحضره لى كل يوم لأمتع نفسى بالنظر اليه ولأضمه الى صدرى ..
والآن .. وقبل أن أودعك فى رسالتى هذه أطلب منك أن تجتهد هذا العام لكى نستطيع أن نحقق الأمل الذى كنا نتمناه .. ويعيش ولدنا الصغير بين أحضان أسرتنا السعيدة .. وأخيراً أُخبرك بأنى سأعود للقاهرة قريباً .. وتقبل منى قبلاتى وأحضانى وأشواقى اليك ياكل أملى فى الحياة .. حبيبتك نادية .
قرأ أحمد الخطاب عدة مرات .. وهو غير مصدق .. هل أصبح أب ؟؟ كيف حدث هذا ؟؟ .. وإرتسمت علامات الضيق على وحهه وهو يصرخ : لا .. لم يحدث هذا .. وأمسك بالخطاب يمزقه بين يديه فى إنفعال وثورة .. ويلقى به من النافذة وهو يتمتم : هذا كلام لا يعقل .. ثم يعود ليفكر بهدوء قائلا : ولم لا أننى وقعت فى الهاوية وهذه هى النتيجة ويصرخ من جديد : لا .. هذا ليس إبنى .. إنها تسخر منى .. أنه أبن ؟؟ ولكنه لم يقترب منها .. أنا الذى إقتربت من الكأس وأفرغت ما بها فى جوفى .. لأشبع نهمى .. وهذه هى النتيجة .. التى كان يجب أن أتوقعها من قبل .. نعم هو إبنى .. هى يجب أن تصبح زوجتى .. ولكن .. لا لا أنها دفعتنى لفعل هذا .. لم أكن فى وعى من نفسى .. أنها خدعت زوجها .. وأباحت لى أن أرتشف ما حرم على .. نعم أنها خدعت زوجها وقد تخدعنى فيما بعد ..لا أنى لن أتزوجها .. أنها امرأة خائنة . ثم يعود ليتمتم فى نبرات ضعيفة : أنها ليست خائنة ..إنها حرمت من السعادة .. أنها كانت تحبنى .. أنى أيضاً أحبها .
وأخذت موجات الفكر تتصارع فى نفسه وتتضارب وكأنها المردة .. كل يريد أن يسيطر على غيره ..وتغلب أخيراً على هذه الهواجس ..وقرر أن يخرج لينسى هذه الهموم .. وعندما القى بقدميه فى الطريق إنتابته موجة الأفكار مرة أُخرى ..وأخذ يسير على غير هدى والطريق أمامه يمتد الى ما لا نهاية .. وقد غرست الأشواك على جانبيه .. يدوسها بقدميه العاريتين ..ولا يشعر بالدماء تسيل من الجراح .. ويفيق ليجد نفسه عائداً من نفس الطريق الشائك .. والسماء فوقه وكأنها حقل من الطين الأسود ..والأشجار على جانبى الطريق كأنها الشياطين كل يريد الإنقضاض عليه ..ليطيح برأسه فى الهواء .. وينظر الى أعمدة المصابيح على طول الطريق تمتد عالية الى السماء .. الى حقل الطين .. لتضىء هناك .. دنيا الخطيئة .. يصل الى المنزل ويلقى بجسده المتعب على السرير محاولا النوم .. لكنه لم يستطع ,, كيف ينام .. وقد أصبح أباً ؟؟

No comments:

My Drawings

The Best Favorite Videos

Some channels

Love for all

New visitors bloglog